سورة النساء - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} أي: ولكل واحد من الرجال والنساء جعلنا موالي، أي: عصبة يُعطون {مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ} والوالدان والأقربون هم المورِّثون، وقيل: معناه ولكل جعلنا موالي أي: ورثة، مما ترك أي: من الذين تركهم ويكون ما بمعنى {من}، ثم فسر {الْمَوَالِي} فقال: {الوالدان والأقربون}، هم الوارثون.
{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قرأ أهل الكوفة {عَقَدَت} بلا ألف، أي: عقدت لهم أيمانكم، وقرأ الآخرون: {عاقدت أيمانكم} والمعاقدة: المحالفة والمعاهدة، والأيمان جمع يمين، من اليد والقسم، وذلك أنهم كانوا عند المحالفة يأخذ بعضُهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد. ومحالفتهم أن الرجل كان في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك وهدمي هدمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسِلْمِي سِلْمُك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس من مال الحليف، وكان ذلك ثابتا في ابتداء الإسلام فذلك قوله تعالى: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} أي: أعطوهم حظَّهم من الميراث، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} [الأحزاب 6].
وقال إبراهيم ومجاهد: أراد فآتوهم نصيبهم من النصر والرفد ولا ميراث، وعلى هذا تكون هذه الآية غير منسوخة لقوله تعالى: {أوفوا بالعقود} [المائدة- 1] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم فتح مكة: «لا تحدثوا حِلْفًا في الإسلام، وما كان من حلف في الجاهلية فتمسّكوا فيه فإنه لم يزدْه الإسلام إلا شِدّة».
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أنزلت هذه الآية في الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار حين قَدِمُوا المدينة وكانوا يتوارثون بتلك المؤاخاة دون الرحم، فلما نزلت: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نسخت، ثم قال: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} النصر والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث فيوصي له. وقال سعيد بن المسيب: كانوا يتوارثون بالتبني وهذه الآية فيه ثم نسخ. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}.


قوله عز وجل: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} الآية نزلت في سعد بن الربيع وكان من النقباء وفي امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير، قاله مقاتل، وقال الكلبي: امرأته حبيبة بنت محمد بن مسلمة، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها، فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفرشته كريمتي فلطمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لتقتص من زوجها»، فانصرفت مع أبيها لتقتص منه فجاء جبريل عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجعوا هذا جبريل أتاني بشيء»، فأنزل الله هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أردنا أمرًا وأراد الله أمرًا، والذي أراد الله خير»، ورفع القصاص.
قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} أي: مسلّطون على تأديبهن، والقوّام والقيم بمعنى واحد، والقوام أبلغ وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب.
{بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} يعني: فضل الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والولاية، وقيل: بالشهادة، لقوله تعالى: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} [البقرة- 282] وقيل: بالجهاد، وقيل: بالعبادات من الجمعة والجماعة، وقيل: هو أن الرجل ينكح أربعا ولا يحل للمرأة إلا زوج واحد، وقيل: بأن الطلاق بيده، وقيل: بالميراث، وقيل: بالدّية، وقيل: بالنبوّة.
{وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} يعني: إعطاء المهر والنفقة، أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، أنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتيّ أنا أبو حذيفة، أنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».
قوله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} أي: مطيعات {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} أي: حافظات للفروج في غيبة الأزواج، وقيل: حافظات لسرهم {بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} قرأ أبو جعفر {بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} بالنصب، أي: يحفظن الله في الطاعة، وقراءة العامة بالرفع، أي: بما حفظهن الله بإيصاء الأزواج بحقهن وأمرهم بأداء المهر والنفقة.
وقيل: حافظات للغيب بحفظ الله، أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أنا أبو إسحاق الثعلبي، أنا أبو عبد الله بن فنجوية، أخبرنا عمر بن الخطاب، أنا محمد بن إسحاق المسوحي، أنا الحارث بن عبد الله، أنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير النساء امرأة إن نظرتَ إليها سرتْكَ وإن أمرتها أطاعتْكَ وإذا غِبْتَ عنها حفظتْكَ في مالها ونفسها»، ثم تلا {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} الآية.
{وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} عصيانهن، وأصل النشوز: التكبر والارتفاع، ومنه النشز للموضع المرتفع، {فَعِظُوهُنَّ} بالتخويف من الله والوعظ بالقول، {وَاهْجُرُوهُنَّ} يعني: إن لم ينزعن عن ذلك بالقول فاهْجُرُوهن {فِي الْمَضَاجِعِ} قال ابن عباس: يوليها ظهره في الفراش ولا يكلمها، وقال غيره: يعتزل عنها إلى فراش آخر، {وَاضْرِبُوهُن} يعني: إن لم ينزعن مع الهجران فاضربُوهن ضربًا غير مبرِّح ولا شائن، وقال عطاء: ضربًا بالسواك وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حقُّ المرأة أن تُطعمها إذا طَعِمْتَ وتَكسوها إذا اكتسيتَ ولا تضرب الوجه ولا تُقَبِّحْ ولا تهجر إلا في البيت».
{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} أي: لا تجنُوا عليهن الذنوبَ، وقال ابن عُيينة: لا تكلفوهنّ محبتكم فإنّ القلبَ ليس بأيديهن. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} متعاليا من أن يُكَلِّفَ العبادَ مالا يُطيقونه، وظاهر الآية يدل على أنّ الزوج يجمع عليها بين الوعظ والهجران والضرب، فذهب بعضهم إلى ظاهرها وقال: إذا ظهر منها النشوز جمع بين هذه الأفعال، وحمل الخوف في قوله: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} على العلم كقوله تعالى: {فمنْ خافَ من مُوصٍ جنفًا} [البقرة- 182] أي: علم، ومنهم من حملَ الخوفَ على الخشية لا على حقيقة العلم، كقوله تعالى: {وإمّا تخافنَّ من قوم خيانةً} [الأنفال- 58]، وقال: هذه الأفعال على ترتيب الجرائم، فإن خاف نُشوزَها بأن ظهرتْ أمارتُه منها مِنَ المُخَاشنة وسوءِ الخُلقُ وَعَظَها، فإن أبدتِ النشوزَ هَجَرها، فإن أصرِّتْ على ذلك ضَرَبها.


قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} يعني: شقاقًا بين الزوجين، والخوفُ بمعنى اليقين، وقيل: هو بمعنى الظنّ يعني: إن ظننتم شقاق بينهما.
وجملته: أنه إذا ظهر بين الزوجين شقاقٌ واشتبه حالهما فلم يفعل الزوج الصفح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية وخرجا إلى ما لا يحل قولا وفعلا بعث الإمام حكمًا من أهله إليه وحكمًا من أهلها إليها، رجلين حرين عدلين، ليستطلع كلُّ واحد من الحكمين رأي من بُعث إليه إن كانت رغبتُه في الوصلة أو في الفُرقة، ثم يجتمع الحكمان فينفذان ما يجتمع عليه رأيُهما من الصلاح، فذلك قوله عز وجل: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا} يعني: الحكمين، {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} يعني: بين الزوجين، وقيل: بين الحكمين، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، أنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا الثقفي، عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة أنه قال في هذه الآية {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} قال: جاء رجل وامرأة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومع كل واحد منهما فئام من الناس، فأمرهم عليّ رضي الله عنه فبعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها ثم قال للحكمين: أتدْريَان ما عليكما؟ إن رأيتما أن تجمعا جمعتُما وإن رأيتما أن تُفرقا فرقتُما، قالت المرأة رضيتُ بكتاب الله بما عليّ فيه ولي، فقال الرجل: أما الفُرقة فلا فقال علي رضي الله عنه: كذبتَ والله حتى تقر بمثل الذي أقرّتْ به.
واختلف القول في جواز بعث الحكمين من غير رضا الزوجين: وأصح القولين أنه لا يجوز إلا برضاهما، وليس لِحَكَمِ الزوج أن يُطَلّق دون رضاه، ولا لِحَكَمِ المرأة أن يخالع على مالها إلا بإذنها، وهو قول أصحاب الرأي لأنّ عليًا رضي الله عنه، حين قال الرجل: أما الفُرقة فلا قال: كذبتَ حتى تُقِرَّ بمثل الذي أقرَّتْ به. فثبت أن تنفيذ الأمر موقوف على إقراره ورضاه.
والقول الثاني: يجوز بعث الحكمين دون رضاهما، ويجوز لِحَكَمِ الزوج أن يُطَلِّق دُون رضاه ولِحَكَمِ المرأة أن يخلع دون رضاها، إذا رأيا الصلاح، كالحاكم يحكم بين الخصمين وإن لم يكن على وفْق مُرادِهما، وبه قال مالك، ومن قال بهذا قال: ليس المراد من قول علي رضي الله عنه للرجل حتى تُقِرّ: أن رضاه شرط، بل معناه: أن المرأة رضيتْ بما في كتاب الله فقال الرجل: أما الفُرقة فلا يعني: الفُرقة ليست في كتاب الله، فقال علي: كذبْتَ، حيث أنكرتَ أن الفرقة في كتاب الله، بل هي في كتاب الله، فإن قوله تعالى: {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} يشتمل على الفراق وغيره لأن التوفيق أن يخرج كل واحد منهما من الوِزْرِ وذلك تارة يكون بالفُرقة وتارًة بصلاح حالهما في الوصلة.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12